نسب طيء
جاء في القاموس أن النَّسَبُ بتشديد وفتح النون، وتحريك السين، وباء مضمومة. والنِّسْبَةُ بتشديد النون وكسرها وسين ساكنة وباء محركة وتاء مضمومة: بمعنى القرابة، والإسناد الى ظهور الأباء. النسيب هو المناسب من الرجال أن يكون أحدهما صهرا للآخر. والنَّسَّابُ والنَّسَّابَةُ: المتبحر بعلوم النسب. ومنسوب اليه اي يلحق به، نقول: ناسب فلان فلانا أي صاهره، أي تزوج بأبنته أو شقيقته، فأصبحا متقاربين، أو إزدادا قرابة. أنسب فلانا الى فلان أي أرده اليه، وأجعله في دائرة قرابته. ناسب صاهر، لأن المصاهرة تؤدي الى القرابة الضيقة، بعد أن لم تكن كذلك، فالمصاهرة يترتب عليها ذرية، تمت بالصلة والقربى لنسب المرأة، ونسب الرجل، فهؤلاء أخوالهم، وهؤلاء أعمامهم، لذلك في الأعراف العشائرية، أن الخال له ضربة ثأرية واحدة فقط، ذلك أن الجرح الذي أدمى نسيبه أدمى أخته، وبالتي أدمى أشقاءها، وأدمى عشيرتها، إن كانت من عشيرة غير عشيرة زوجها.
تقول كتب التراث أن أد (أدد) أنجب أشعر ومرة ومذحج وطي. طيء وأسمه الحقيقي جلهمة، ولربما لقب بطيء لأنه كان يرتحل هو وبنيه كثيرا، لأن طاء بلغتنا الحبيبة معناها إرتحل طلبا للمرعى والماء، والله أعلم بحقيقة هذه التسمية، التي كانت أسهل وقعا على اللسان من كلمة جلهمة، المتميزة بجزالة لفظها، وفخامته، تماما كما هو الحال في إسم شقيقه مذحج، والذي لا تقل ذراريه عددا عن عدد ذراري طيء، لكنها غير معروفة بقبائل مذحج لصعوبة نطقها فعشائر زبيد العراق والجبور، وأهالي تكريت بما في ذلك عشيرة البو ناصر التي ينحدر منها سيادة الرئيس العراقي صدام حسين فك الله أسره وعفا عنه وأطال الله عمره، حيث كان قد إعتمد على سلائل طيء ومذحج في قيادة الجيوش والدولة العراقية، ونسبة كبيرة من محافظات السنة في شمال عراقنا الحبيب، هم من ذراري مذحج عاشوا يتقاسمون لقمة العيش مع أبناء عمومتهم الطائيين على ضفاف دجلة والفرات وهم الذين إجتاحوا بلاد فارس زمن الفتوحات الإسلامية، فالأشتر النخعي من ساداتهم.
عاش طيء خمسمائة سنة ونيف وهذا يعني أنه عاصر حتى ما يزيد على عشرين حفيدا من أحفاده، وعاش بين بنيه وبني بنيه حتى الحفيد الخامس والعشرين على أبعد إحتمال، لو إفترضنا أن الوالد يزوج ولده بسن 20 الى 25 سنة كما هو حاصل في أيامنا المعاصرة، علما أن العرب ولفترة قريبة كانت تزوج أبناءها بسن الثامنة عشرة لأسباب إجتماعية كثيرة نعرفها نحن أبناء العشائر، فما أن يصبح الشاب في كثير من الأسر البدوية الميسورة في سن الخامسة والثلاثين الا وكان تحته أربع من النساء.
هذا يعني أن طيء شاهد على سبيل المثال حفيده لام وبنيه وبني بنيه، فلام هو الحفيد الثالث عشر على عمود النسب نزولا من طيء الى لام، فهو: لام بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة ابن سعد بن فطرة بن طيء. وشاهد شمر وبنيه وبني بنيه، لان شمر هو الحفيد السادس لطيء على عمود النسب، وهذا يعني أن عدد السنين بين طيء وشمر20 سنة × 6 أحفاد تساوي 120 سنة في حدها الأدنى و25 × 6 أحفاد تساوي 150عاما في أبعد تقدير، أي لو إفترضنا أن طيء تزوج بعد 25 عاما من ولادته، وأنجب أولادا خلال العشر سنوات الأولى، فيصبح الفارق بين شمر وطي ما بين 155 سنة و185 سنة، وأن شمر عاصر جده طيء بقية حياته البالغة 215 الى 245سنة، إن لم يكن شمر مات قبل موت طيء. أما مشاهدته لأحد أحفاده الثالث عشر وهو لام فكانت بعد 20 سنة × 13 حفيد تساوي 260 سنة في حدها الأدنى، و25 سنة × 13حفيد تساوي 325 سنة. أي أن لام عاش في كنف جده حيا يرزق زهاء 240 سنة كحد أدنى و175 سنة كحد أعلى.
أي أن طيء شاهد تشكيل البطون والأفخاذ في أعقابه، مع كثير من أبنائه وأبناء أبنائه بعد تشكيلهم بطون مختلفة كل بأسمه، وكل منهم يحتضن ذويه الأقرب فالأقرب على عادة العرب، لدرء المخاطر وإكتساب القوة. ومن المعلوم أن هذه القبيلة، بكنف مؤسسها طيء، كانت تلجؤ الى فض النزاعات بين أبنائها، أو توزيع المكتسبات ، بناء على الأعراف المتوارثة، أو ما تمليه عليهم الظروف، ففيها الحكماء والوجهاء والساسة والفرسان والأطباء والشعراء.
من هنا نرى أن التاريخ والسياسة حاضرتان في القبيلة العربية، وهنا أعتمد طيء كمثال لمعرفتنا بتفاصيلها الدقيقة، فطيء يحمل معه تاريخ بنيه جميعا، وكافة الأحداث المتعلقة بهم، وهو ينسبهم لها، ولدا، ولدا، وهم ينسبون أنفسهم اليه ، ولدا، ولدا، دون أن يكون هناك أي مجال للخطأ أو التخمين.
تصوروا معي، كم عدد ذراري طيء، الذين كانوا يعاصرونه، منذ إنجابه بكره، الى حين وفاته، عبر 20 الى 25 جيلا من البشر؟ أظن أنكم ستوافقونني أن ذراريه تعد بالآلاف، لأنني لا أود أن أبالغ وأقول عشرات الألاف، وإن كنت أرجح ذلك نظرا لحب العرب في الإنجاب.
هذه الأعداد الغفيرة من الأبناء والبنات، كانت متسلسلة في صفوف من أصغرها عمرا، وصولا الى طيء الموجود بينهم، فقضايا الدم مثلا، كانت تعالج بناء على صلة القربى بين الأحفاد، وتطرد هذه الأبناء بعضها بعضا حتى الجد الخامس ، دون أن يتعرض طيء نفسه للطرد، لأن طرد طيء يكون من أشقائه وذراريهم ، بل هو يقف ينظر الى الأمور كيف تدار بين أحفاده، ويمكن أن يتدخل شخصيا لفض النزاعات بينهم، وأعتقد أن الكلمة الفصل كانت له، وإلا فإن من يخرج على اجماع العشيرة، كما هو حاصل بيننا حاليا، يتعرض الى التشميس.
إذن وجود السلالات متعايشة ومترابطة في كل قبيلة من قبائل العرب ، والظروف البيئية القاسية وضنك الحياة وغياب الكيانات المقننة، والخوف من المجهول جعل العربي أكثر إلتفافا على عصبته، وأكثر تمسكا برابطة الدم، للحصول على القوة وصولا الى المنعة.
ما سبق من تحليل للقبيلة العربية، يؤكد بلا منازع، تمسكنا بالأنساب، وحبنا لها، ومصداقية هذه الأنساب، لأن الأجداد هم الحفظة لها، من واقع ما يشاهدونه، نقلا الى الأجيال جيلا بعد جيل.
لا شك أن تشابك أنساب الأسر والقبائل العربية يبدو لكثير من الناس فيه من التعقيد مما يجعل المرء ينأى عن الخوض في مثل هذه المسائل، وأنه لا حيلة له بقص العشائر عند وقوع الدم، فهي أشبه ما تكون بجزة من الصوف.
وكتبه
علي بن فلاح الملاحي
مؤرخ عشائر عرب الصقر الطائية
إربد - الأردن
السبت أغسطس 18, 2007 2:37 am
