للمرة الثالثة، تتزوج منى من خليجي، وللمرة الثالثة تطلق منى من الخليجي، وكلمة خليجي هنا تختصر كل عربي يزور سورية، ويركب سيارة تحمل نمرة خليجية أو سعودية أو حتى عراقية... والسيارة شرط غير كاف لتكتمل "الصفقة"... عفواً لتكتمل شروط الزواج.
في السنوات الماضية، تراجعت السياحة الأوربية في سورية لصالح السياحة العربية، وفي السنة الماضية زار سورية أكثر من مليوني سائح عربي، معظمهم من دول الخليج العربي، الذين يأتون صيفاً لقضاء الإجازة، وبين البحث عن هواء شامي عليل، ومائدة سورية عامرة، هناك بحث آخر، عن "مرأة شامية تعيّشك عيشة هنية" و "ماقطع قلوبكم إلا بياض السوريات" كما تقول الأمثلة الشعبية الخليجية.
سواء كان زواج موثق أم عرفي، زواج متعة، أم مسيار، أو حتى زواج المصياف الذي أفتى به مؤخراً أحد الشيوخ... فنحن نتحدث هنا عن عقد زواج سياحي مثل عقد التأجير السياحي، زواج مؤقت تنتهي مفاعيله بانتهاء الإجازة الصيفية... لكنه يترك خلفه دعارة "مقوننة" وأطفال "بلا هوية" وتجارة "بلا دفاتر".
تزوجت منى أول مرة وهي في السابعة عشر من سائح خليجي استأجر بيتاً بقربهم، وما لبث أن طلب يدها على سنة الله ورسوله، لم تتردد منى أو حتى والدها، فالشاب صغير بالعمر، وعرض مهراً غالياً، وبسرعة تمت مراسيم الزواج، وبعد شهري عسل، هما إجازته الصيفية، غادرها الشاب، ولم يعد، ولم تسمع عن أخباره سوى ورقة طلاق حملتها لها DH L، وهكذا رسمت هذه المحطة حياتها، فبعد سنتان، عاد السيناريو نفسه، لكنه كان أكثر وضوحاً، فالزوج الجديد لم يخف عنها أنه سيطلقها بعد فترة، وسيعود إلى أولاده وزوجته في بلده الأصلي، أما الزواج الأخير فتم في السنة الماضية على رجل ستيني، وهذه المرة، لن يطلقها زوجها، أو على الأقل هكذا وعدها، لكنها لن تراه سوى أشهر الصيف....
الزواج من الخليجيين، هو موضوع ساخن في سورية، لكنه مسحوب من التداول، لا شيء يجعله حقيقياً، سوى حديث الناس عنه، وكثرة الحالات التي تنتقل حكاياتها على الألسنة...
تعتبر الحكومة السورية أن هذا الموضوع يثير "الحساسية" مع "الدول العربية الشقيقة"، وتؤكد أن لا إحصائيات تظهر وجود هذه المشكلة، لكن مصادر في وزارة العدل تقدر وجود خمسة آلاف حالة زواج مع خليجيين في السنوات العشر الماضية... معظمها غير مسجل، لكن ما يكشفها هو المئات من الأطفال مجهولي النسب...
وتلفت الناشطة في رابطة النساء السوريات سوسن زكزك "إلى حجم المشكلة الكبير" مشيرة "إلى أن عقود الزواج لا تتضمن أي خانة أو بند يشير إلى جنسية الزوج أو الزوجة، ما يزيد من صعوبة إحصاء تلك الظاهرة".
إلا أن ما يجعل هذه الظاهرة تتحول لأزمة، هو تحول بعض حالات الزواج هذه إلى حالات بيع وشراء، بل ظهور شبكات شبه منظمة تعمل في "بزنس الزواج"، وتحكي فاطمة التي تعيش اليوم في دمشق بعد أن هربت من والدها في مدينة حلب، أن والدها زوجها عن طريق وسيط، لسائح عربي، و"قبض ثمنها"، رغم أنه يعرف أن مصيرها للطلاق، لكنه أخذ مهراً تجاوز مليون ليرة "10 آلاف دولار"، وبعد طلاقها وكان لم يمض عليها سوى فترة العدة، أحضر الوسيط عريساً جديداً، فهربت من البيت.
وفي الحقيقة، لا يمكن معرفة عدد حالات الزواج الناجحة، وعدد الفاشلة منها، لكن كما تؤكد الباحثة سوسن زكزك، فإن قسم كبير هو عبارة عن زواج سياحي، قصير وسريع، يأتي كاستكمال لحالة قضاء العطلة الصيفية، وهي تؤكد أن السبب لا يتعلق بالخليجيين أنفسهم، بل بمنظومة كاملة تقوم على "تشريع الخطأ وقوننته"، وتزيد هذه الظاهرة بالبيئات الفقيرة، التي تجد أن المقدم والمؤخر الممنوح للفتاة يساعد الأسرة على تحسين مستواها ودون أن تخالف الشرع أو تمارس الدعارة أو على الأقل هذا ما تقنع نفسها فيه.
وقد بدأت هذه الظاهرة تخلق مشاكل جديدة، فالقانون السوري لا يسمح للسورية بمنح جنسيتها لأبناءها، وعندما تنجب من زواج مكتوب له مثل هذه النهايات المأساوية، فإن الطفل الذي يرحل أبوه يبقى دون جنسية، تقول سوسن زكزك "هناك حالات موجودة لعدد من الفتيات الصغيرات يتزوجن من سائحين خليجيين، زواج عرفي أو متعة، لكن المشكلة أن الفتاة تكون بنهاية الموسم السياحي، في انتظار مولود مصيره غير معروف لأن والده أنهى (عطلة سياحته)، والقانون لا يسمح للأم بتسجيل جنسية الطفل السورية".
والغريب أنه لا يوجد أي محظورات في القانون السوري على زواج السوريات من غير السوري، باستثناء حرمانهم من تقديم جنسيتهن لأطفالهن، فيما نجد أن مصر مثلاً، تضع شروط مثل ألا يزيد فارق السن عن 25 سنة، "إلا في حالات محددة" ويتوجب على الزوج تقديم لشهادتين من سفارته حول حالته الاجتماعية وعمله، وحضور الزوج بشخصه وتقديم شهادة ميلاد الزوجة لضمان عدم تحويل الأمر إلى تجارة بالفتيات تحت اسم الزواج!!
ويقول المحامي منير النابلسي أن الدين والقانون يسمح للمرأة بالزواج من الرجل بغض النظر عن جنسيته ولا يضع أي اشتراطات على ذلك، أما اليسر أو العسر في الحياة المشتركة، فذلك لا يمكن التنبؤ به، سواء كان الزوج سورياً أم عربياً "ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى"...
زواج منيرة، هو حالة مختلفة، فالسائح الخليجي الذي تزوجته بعد طلاقها من سوري، كان بمثابة منقذ لها، وكما تروي فهو يعاملها معاملة جيدة، ويجهز أوراقها ليأخذه معه إلى بلده، فمنيرة تعتقد أن المرأة تستطيع أن تأسر قلب الرجل إن أرادت، بخلقها ودينها، والأطفال الذين يشكلون رابطة أبدية بينهما.
ومع أن حالة منيرة، قد تجد من أمثالها، الكثير، إلا أن هناك حالات أخرى، لا يمكن البحث فيها عن زوج وزوجة حقيقيين، كما لا يمكن أن توزع التهم بين ضحية وجلاد، ومريم مثال على ذلك، فالرجل الذي تزوجته، لم يغشها، قال لها منذ البداية أنها الزوجة الثانية، وأنه مكتفي من الأولاد، وعليها أن تدرك ذلك، وتفهمه جيداً، وعدا ذلك سيستمر زواجهما على خير ما يرام، وفي قصص أخرى، تكون المعادلة أصعب، فالزواج يتم بشكل عرفي، أي بحضور شيخ وشاهدين ودون تسجيل لدى الدوائر الحكومية، ذلك أن عدد من الدول العربية الخليجية تشترط الحصول على تصاريح خاصة عند الزواج من أجنبيات.
وقد نقلت صحيفة "الوطن" السعودية عن رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب بمجلس الشورى السعودي، طلال بكري، قوله إن عدد الأطفال السعوديين بالخارج نتيجة زيجات غير نظامية وصل إلى نحو 900 طفل من أم غير سعودية، وقالت الصحيفة إن خبراء قانونيين واجتماعيين "حذروا من زواج بعض السعوديين من أجنبيات خارج بلادهم خلال مواسم الصيف، حيث "يبحث الرجال عن الإشباع الجنسي بصورة مؤقتة"....
وربما يمكن تلمس حجم هذه الظاهرة، على الانترنت، حيث ظهر منذ سنتين موقع خليجي لتسهيل الزواج من سوريات قبل أن يغلق بعد شكاوي عدة، كما تمتلئ غرف الدردشة بالحديث عن هذه الظاهرة، خاصة في السعودية، حيث تشتكي فتيات وسيدات سعوديات من زواج أبناء بلدهم من سوريات، خاصة عندما ترضى السورية أن تكون الزوجة الثانية، في وقت تزداد العنوسة في السعودية (أكثر من مليون ونصف عانس في السعودية حسب احصاءات السنة الماضية)، وفي نهاية العام الماضي، أعلنت وزارة الداخلية السعودية أنها تصدر سنويا أكثر من 6600 موافقة زواج بنساء خارج السعودية، بمعدل 25 موافقة يومياً، وأضافت أن أغلب طلبات الزواج هذه من سوريات، علماً أن السعودية أصدرت قراراً بمنع زواج السعوديين من غير سعوديات إلا إذا كان به عاهة أو مرض مزمن، ولا تمنح موافقة الزواج من غير السعوديات إلا بصعوبة، لكن وفي الحقيقة فمعظم حالات الزواج من سوريات تتم بكتاب "براني"، وعبر شركات عابرة للجنسية، ومكاتب "خطابة" تضع الأسعار وترتب العقود حسب العمر واللون والحاجة.
ممكن جوا هذه تجارة ولا زواج بصراحة انا شايفها تجارة ومنيح من الدولة انها ماتعطي جنسية لانها ماتعطي وهيك كيف اذا عطت