أولا : الإيمان بربوبية الله سبحانه وتعالى وهي كا الآتي :
هو الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى وحده هو الرب , الخالق المالك الآمر .
ومعنى الرب : السيد المالك المتصرف , الذي ربى جميع العالمين بنعمه , قال تعالى : ( قال فمن ربكما يا موسى * قال ربنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقهُ ثم هدى ) طه 49 - 50
فمدار الربوبية على ثلاثة أمور :
- الخلق : فالله خالق كل شيء , وما سواه مخلوق , قال تعالى : ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيءٍ وكيل ) الزمر 62 , وقال : ( وخلق كل شيءٍ فقدره تقديرا ) الفرقان 2
وكل خلق أضيف إلى غيره فهو خلق نسبي , بمعنى التشكيل والتأليف والتقدير , لا الإنشاء من العدم كقوله : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) المؤمنون 14
- الملك : فالله هو المالك وما سواه مملوك , قال تعالى : ( ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ٍ ولا نصير ) البقرة 107
وقال : ( ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيءٍ قدير ) آل عمران 189
وقال : ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ) آل عمران 26
وقال : ( ولم يكن له شريك ٌ في الملك ) الاسراء 111 وقال : ( ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ) فاطر 13
وكل ملك أضيف إلى أحد سواه فهو ملك نسبي مؤقت جزئي , كما في قوله تعالى : ( يا قوم لكم الملك ُ اليوم َ ظاهرين في الأرض ) غافر 29
وقوله تعالى : ( وما ملكتْ أيمانكم ) النساء 3 وقال تعالى : ( إناّ نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) مريم 40
- الامر : فلله الأمر كله , وماسواه مأمور قال تعالى : ( قل إنّ الامر كله لله ) آل عمران 154 وقال : ( ألا له الخَلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) الاعراف 54
وقال : ( وقُضيَ الأمر وإلى الله ترجع الأمور ) البقرة 210 وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ليس لكَ من الأمر شيء ) آل عمران 128 فكيف بمن دونه ؟
وقال : ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) الروم 4 فهو جلا في علاه الآمر وحده في خلقه وما أضيف إلى غيره من أمر كقوله تعالى : ( فاتبعوا أمر فرعون وما أمر
فرعون برشيد ) هود 97 فهو أمر نسبي داخل تحت مشيئته إن شاء أمضاه وإن شاء منعه .
وأمره سبحانه يشمل الأمر الكوني والشرعي , فأما الكوني فنافذ لا محاله وهو مرادف لمشيئته , قال تعالى : ( إنما أمرهُ إذا أرادَ شيئاً أن يقول له كن فيكون ) يس 82
وأما امره الشرعي : فهو محل الاختبار وهو مرادف لمحبة الله , فقد يقع وقد لا يقع وكل ذلك في عموم مشيئته كما قال ربنا سبحانه وتعالى : ( لمن شاء منكم
أن يستقيم * وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين ) التكوير 28- 29
وبقية صفات ربوبيته سبحانه ترجع إلى هذه الامور الثلاثة : الخلق - الملك - الأمر
كا الرزق , والإحياء , والإماتة , وإنزال الغيث , وإنبات الارض , وتصريف الرياح , وإجراء الفلك , وتعاقب الليل والنهار , والحمل والوضع
والصحة والمرض والعز والذل وغيرها من صفات الرب جلا وعلا
وهذا الإيمان بربوبيته سبحانه وتعالى مركوز في الفطر , مدرك ببداهة العقول , محسوس في الكون , موفور في نصوص كتابه الكريم
وعامة بني آدم مقرون من حيث الجملة بربوبية الله تعالى بأنه الخالق المالك والمدبر , حتى مشركي العرب حكى الله عنهم هذا الإقرار
في مواضع من كتابه , كقوله : ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله أفلا تذكرون * قل من رب السموات السبع
ورب العرش العظيم * سيقولون لله أفلا تتقون * قل من بيده مكلوت كل شيءوهو يجير ولا يُجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله
فأنى تُسحرون) المؤمنون 84 -89 وقوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ) الزخرف 9
وإنما وقع في هذا الباب ضلال جزئي من قبل طوائف متعددة , حيث أشركوا في الربوبية , مثل :
- الثنوية والمانوية من المجوس : القائلون إن للعالم خالقين , إله النور , يخلق الخير وإله الظلمة يخلق الشر , وهم متفقون على أن
النور خير من الظلمة ومختلفون في الظلمة , هل هي قديمة أم محدثة ؟
- النصارى : القائلون بالتثليث فيجعلون الإله الواحد بزعمهم ثلاثة أقانيم : الأب والإبن وروح القدس
- بعض مشركي العرب : الذين يعتقدون في آلهتهم شيئا من الضر والنفع والتدبير والتصريف في الكون
- القدرية النفاة : القائلون : العبد يخلق فعل نفسه خلقاً مستقلاً عن الله ؟
وكل هذه الضلالات مدفوعة بدلالة الفطرة والعقل والحس والشرع على وحدانية الرب سبحانه وتعالى في خلقه وملكه وأمره
قال تعالى : ( ما اتخذ الله من ولدٍ وما كان معه من إلهٍ إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ) المؤمنون 91
فالإله الحق لا بد أن يكون خلاقاً , فعالا ً لما يريد , فلو كان معه شريك لكان يخلق ويفعل ! وحينئذ ٍ لا يخلو الحال من أحد احتمالين :
إما أن يذهب كل إله بخلقه ويستقل بسلطانه وهذا الاحتمال يأباه انتظام الكون والعالم
وإما أن يقع بينهما مغالبة واستعلاء , فلو أراد أحدهما تحريك جسم وأراد الآخر تسكينه , أو أراد أحدهما إحياء شيءٍ وأراد الآخر إماتته
فإما أن يحصل مرادهما , أو مراد أحدهما أو لايحصل مراد اي ٍ منهما والاول والثالث ممتنعان , فمن حصل مراده فهو الإله القادر , والآخر
لا يصلح ان يكون إلها ً , فآل الامر إلى إثبات رب واحد , وخالق واحد وملك واحد ومدبر واحد للكون كله
يتبع ............