القناص مراقب عام
عدد الرسائل : 566 العمر : 34 البلد : Lebanon الوظيفة : 000000000 تاريخ التسجيل : 17/08/2009
| موضوع: قصة العرب في إسبانيا الخميس نوفمبر 19, 2009 5:08 pm | |
| " قصة العرب في إسبانيا" لعلي الجارم د.إبراهيم عوض
انبعثت في نفسي، منذ عدة ليالٍ رغبة قديمة في أن أعود إلى قصص علي الجارم التاريخية، فأُعيد قراءة بعضها؛ لأجدد عهدي بأيام الصبا والشباب، حين طالعت له في انبهار عجيب، لم يقلل منه أنني لم أكن أحقق جيدًا معاني الأشعار، التي تتضمنها رواية "فارس بني حمدان"، ورواية "هاتف من الأندلس". واستطعت أن أنزّل على كاتوبي أعماله النثرية المسماة: "سلاسل الذهب"، والتي تشتمل على رواياته وترجمته لكتاب ستانلي لين بول عن حُكْم المسلمين لبلاد الأندلس. وقد أعدت قراءة "هاتف من الأندلس" ولم أشعر ـ ولا أدرِ لماذا ـ أني قرأت هذه الرواية من قبل، وأغريت سلوى الصغيرة بقراءة "غادة رشيد"، بعد أن انتهت في وقت قياسي من التهام "حمار الحكيم" و"عودة الروح"، التي شرعتُ أنا أيضًا أقرؤها، ولم أكن قرأتها قبلاً، رغم كثرة ما قرأت من نقد لها، كما قَرَأَتْ لتيمور: "نداء المجهول" و"سلوى في مهب الريح" وبعض أقاصيص هانز كريتسيان أندرسون بالإنجليزية، وكنت وجدتها له على المشباك، رغم وجود ترجمة ورقية لها في مكتبي الخاص، فضلاً عن سيرة ذلك القصاص الدانمركي، التي خطها قلم عبد الله حسين في سلسلة "مذاهب وشخصيات"، وهي سلسلة كانت تصدر في عهد جمال عبد الناصر، فيما أذكر. وبعد أن انتهيت، البارحة، من رواية "هاتف من الأندلس"، خطر لي، على حين بغتة، أن أطالع ترجمة الجارم لكتاب بول. إلا أنني، كعادتي السيئة أو الحسنة: لا أدري، لم أقدر على بدء المطالعة إلا بعد أن عسست ليلتين في المشباك، حتى ظفرت بالأصل الإنجليزي، ونزّلته هو أيضًا على كاتوبي. وكعادتي ـ التي لا أدري أحسنة هي أم سيئة ـ لم أكتفِ بمطالعة الترجمة، بل وضعت أمام عيني النص الإنجليزي، بحيث إذا ألقيت نظرة هنا أتبعتها بنظرة مثلها هناك. وهذا اللون من المطالعة، على إرهاقه وعنته وبطئه، يمدُّني ـ والحق يقال ـ بمقدار كبير من المتعة والرضا، ويطلعني على كثير من أسرار الترجمة عند عمالقتها وغير عمالقتها. ويبدو أن قيامي بتدريس مادة الترجمة في الجامعة المصرية طوال عملي بها منذ عودتي من أوكسفورد في بداية الثمانينات من القرن البائد قد أصابني بهذا المرض اللذيذ، وكان من نتيجة ذلك ترجمتي لعدد غير قليل من الدراسات الاستشراقية أو تقديمها إلى القارئ العربي في نَصِّها الإنجليزي مشفوعة بدراسة مطولة مفصلة لا تترك شيئًا فيها، إلا عرضته ومحصته ونقدته واستدركت عليه وخطأته، وبينت ما فيه من عوار ونقص والتواء في الفكر والمنهج. وعلى هَدْى من هذه السُّنّة المرهقة في القراءة والكتابة، خرجتُ ببعض الملاحظات الهامة التي أنوي أن أتوسع فيها وأصدرها في كتاب مع النص الإنجليزي عما قريب ـ بمشيئة الله ـ إذا مد الله في عمري، ولم تنبت عقبة تعوقني عما أنوي. ولعلني الآن أقدم للقارئ هنا القطفة الأولى من هذه الملاحظات، مُترحمًا على الأستاذ الجارم الذي أمدَّ المكتبة العربية بهذه السلسلة الذهبية من الكتابات النثرية، رغم ما لنا عليها من ملاحظات، لا يبرأ أي عمل بشري من مثلها كما هو معروف. لقد ترجم المرحوم علي الجارم كلمة "Moors" مثلاً في عنوان كتاب بول الذي بين أيدينا بــ"العرب"، وكان أخلق به أن يقول بدلاً من ذلك: "المسلمون"، إذ المقصود هنا هم مسلمو إسبانيا، لا عربها فقط، وكان المسلمون في ذلك البلد، كما نعرف، مكونين من العرب والبربر وأهل البلاد، فكيف نحصرهم في العرب تحديدًا؟ كما أن كلمة "Moors" إنما تعني، في لغة جون بول، المسلمين لا العرب، لكن ليس المسلمين بوجه عام، بل المسلمين المغاربة والأندلسيين على وجه التحديد، وإن كان من الممكن إطلاق الكلمة في بعض الأحيان على غير هؤلاء، كما هو الحال في إطلاقها على مسلمي سريلانكا مثلاً، إلا أن ذلك قليل كما يتضح لمن يقرأ النبذ التالية التي نقلناها عن مادة "Moor" من قاموس أوكسفورد للجيب (Pod) وقاموس مريام وبستر (Meriam Webster) و"دائرة المعارف البريطانية" (Encyclopaedia Britannica) (ط1008 م) على الترتيب: "Moor n. member of a Muslim people of NW Africa". "Moor n [ME More, fr. AF, fr. L Maurus inhabitant of Mauretania] (14c): one of the Arab and Berber conquerors of Spain". "In English usage, a Moroccan or, formerly, a member of the Muslim population of Spain, of mixed Arab, Spanish, and Berber origins, who created the Arab Andalusian civilization and subsequently settled as refugees in North Africa between the 11th and 17th centuries. By extension (corresponding to the Spanish moro), the term occasionally denotes any Muslim in general, as in the case of the Moors of Sri Lanka (Ceylon) or of the Philippines. The word derives from the Latin Mauri, first used by the Romans to denote the inhabitants of the Roman province of Mauretania, comprising the western portion of modern Algeria and the northeastern portion of modern Morocco. Modern Mauritanians are also sometimes referred to as Moors (as with the French maure); the Islmic Republic of Mauritania, however, lies in the large Saharan area between Morocco and the republics of Senegal and Mali". ومع هذا، فقد تكررت ترجمة الأستاذ الجارم لهذه الكلمة بعد ذلك بــ"المسلمين" كما ينبغي أن تكون ترجمتها. كذلك نرى الأستاذ الجارم يترجم جملة "The hordes of the barbarians bore down upon the wide-reaching provinces of the Cæsars" (P. 2) بــ "خضع البربر لإمبراطورية القيصر البعيدة الأطراف، واندمجوا فيها" (ص 281 من طبعة دار الشروق ضمن الأعمال النثرية لعلي الجارم)، مع أن المعنى بخلاف ذلك تمامًا، فأولاً المقصود بالـ"barbarians" هم القبائل المتوحشة، أي القبائل البربرية التي كانت تجتاح أوروبا قديمًا، وتعيث في الأرض فسادًا، لا قبائل البربر في شمال إفريقية، كما أن العبارة تقول: إن البرابرة هم الذين انقضُّوا على تلك الممالك، لا إنهم خضعوا لها. ذلك أن الفعل: " bear down upon To" معناه: "انقضّ على/ حمل على" لا "خضع لــ". والطريف أننا سوف نرى الجارم بعد قليل يترجم كلمة "barbarians" بــ"المتوحشة" (ص4) بما يدل على أنه لم يكن يجهل معناها، إذ يقول: "كان يحكم إسبانيا في ذلك الوقت القوط الغربيون، وهم قبيلة متوحشة كغيرها من القبائل، التي اكتسحت ممالك الإمبراطورية الرومانية إبان ترنحها للسقوط"، ترجمةً لقول بول: "Spain was then under the rule of the Visigoths, or West Goths, a tribe of barbarians, like the many others who overran the provinces of the Roman Empire in its decline" (P. 5). فلماذا لم يستخدم هذه الكلمة في النص السابق إذن، وانغمس في ذلك الخطأ الواضح؟، أتصور أن يكون السبب هو أن الكلام هنا لا يمكن أن ينطبق على البربر في شمال إفريقيا، فلذلك تنبَّه، رحمه الله، إلى وجه الصواب فيه، كما تنبه له مرارًا بعد هذا. على أنه كان ينبغي، وهو بصدد مراجعة الترجمة، أن يتنبه إلى تلك المفارقة، فيصحح الخطأ السابق على الصواب اللاحق. إلا أنه للأسف لم يفعل، وما أكثر ما يسهو الواحد منا فيما هو أدنى من ذلك وأسهل. كذلك يترجم الجارم ـ رحمة الله عليهـ قول المؤلف عن الرسول ،عليه الصلاة والسلام: "He took the old faith of the Hebrews, which had its disciples in Arabia, and, making such additions and alterations as he thought needful, he preached the worship of One God as a new revelation to a nation of idolaters" (P. 3) بــ "وكان ما يدعو إليه محمد... يتفق مع شريعة اليهود التي كان لها أحبار بالجزيرة" (ص282). وواضح أنه ـ غفر الله له ـ لم يشأ أن يؤلم القارئ المسلم، فلم ينقل كلام المؤلف كما هو بما يعني أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد أخذ دينه من الشريعة اليهودية مع بعض الإضافات والتحويرات، بل جاء دينه متفقًا معها مع بعض الاختلافات. ولو كنت مكانه لنقلت كلام المؤلف كما هو، وعلقت عليه، وفنّدته في الهامش مثلاً، جامعًا بذلك بين الدقة في الترجمة، والغيرة على الحق والدفاع عنه. ومعروف أن المستشرقين لا يدينون بما ندين نحن ـ المسلمين ـ به، فهم إمَّا يهود أو نصارى أو ملاحدة، وإن كان الإسلام قد أخذ ينتشر بينهم في العقود الأخيرة بوضوح ملموس، فمن الطبيعي أن نجدهم في كثير من الأحيان، قاصدين أو غير قاصدين، يجابهوننا بما لا نحبه ولا نؤمن به. ومع هذا، فالحق أحق أن يُتَّبَع. نعم، الحق أحق أن يُتَّبَع، في الترجمة، وفي الرد على ما لا نعتقد أنه الصواب على السواء. هذا، ولا يفوتني أن ألفت انتباه القارئ إلى أن المؤلف لم يتكلم عن وجود أحبار (Rabbis) لليهودية في بلاد العرب، بل عن وجود أتباع لها (Disciples). وربما كان ذات الدافع وراء تجاهله ترجمة كلمة "infidels" في النص التالي: "The Christians quailed before the foe. The infidels pressed upon them and put them to utter rout" (P. 19)، مكتفيًا باستعمال الاسم الموصول نعتا لكلمة "the foe: الأعداء"، إذ جاءت الترجمة هكذا: "ورأًوْا أن النصارى يتضاءلون أمام أعدائهم الذين تدفقوا عليهم كما يتدفق السيل" (ص291) رغم أن الكلمة لا تعني إلا الكفار. وكان ينبغي أن يترجمها كما هي دون تصرف حتى يعرف المسلمون ما يقال فيهم على وجه الضبط والدقة، فأهل كل دين يرون أن دينهم هو الدين الصحيح، ومن عداهم على الباطل. والنصارى يقولون عن المسلمين: إنهم كفار. ويا ليت الأمور وقفت عند هذا الحد، ولم تتجاوزه إلى شتم النبي والقرآن والله ذاته، سبحانه وتعالى. ولقد كانوا طَوَال التاريخ يتطاولون على سيد الأنبياء والمرسلين ودينه والإله الحق، الذي اصطفاه على العالمين نبيًا ورسولاً. وكان المظنون أن تقل هذه السفالات في عصرنا هذا الذي يزعمون أن العقول فيه قد تنورت، وبخاصة في الغرب؛ حيث لم يعد الناس يعتقدون في النصرانية، فإذا بنا نُفاجَأ بقلة الأدب تنهمر من كل جانب، كما تتفجر مياه المجاري من البلاعات المسدودة الخربة، وكأن قد اعتراهم الجرب، فهم يحكّون جلودهم حَكًّا دِرَاكًا ولا يكتفون في هذا الحك باستعمال أظافرهم، بل يستعينون على ذلك بأمشاط من الحديد، لا يستطيعون التوقف عن ذلك ولا سُلُوَّه، وإلا جُنُّوا جنونًا. إلا أننا نفاجأ به بعد قليل لا يورِّي كما هو الحال هنا، بل يستخدم كلمة "الملاحدة: infidels" للمسلمين كما يقول النص الإنجليزي على لسان الإسبان، إذ ترجم عبارة "They made the last of the Goths into a legendary saviour like King Arthur, and believed that he would come again from his resting-place in some ocean isle, healed of his wound, to lead the Christians once more against the infidels" (P. 22)، قائلا عن الإسبان الذين انهزم زعيمهم لذريق شر هزيمة: "فاعتقدوا أنه (أي بعد أن تم القضاء عليه أثناء قتاله ضد المسلمين، وإن لم يعثروا على جثته، وتبدَّد جيشه وانقشعت ريح دولته) سيعود مرة أخرى من مقره في بعض جزائر المحيط بريئًا من جراحه؛ ليقود المسيحيين لقتال الملحدين" (ص293). وأغلب الظن أنه لما رأى في النص الإنجليزي تكرر استعمال تلك الكلمة في وصف المسلمين، وأنها ليست مرة واحدة سرعان ما تمضي، بل هو موقف ثابت ترك خطة التجاهل التي جرى عليها في المرة الأولى، وترجم الكلمة كما هي. وقد أشاد الجارم ـ طيَّب الله ثراه ـ في مقدمته لترجمة كتاب بول، بروح الإنصاف التي يتصف بها ذلك المستشرق في كلامه عن حكم المسلمين لشبه الجزيرة الأيبيرية. وها هي ذي بعض السطور التي تصور هذا الإنصاف، وترينا كيف كان حكم أجدادنا، أيام تمسكهم بالإسلام، وتحضرهم العظيم من ثم لتلك البلاد، وكيف استطاعوا أن يجعلوا منها جنة من جنان المولى، سبحانه، في أرضه، وهو ما يبعث على الألم والأسف والندم، حين ينظر الإنسان حوله ويقارن بين وضعنا الحالي المزري، رغم كثرة الإمكانات التي أفاضها الله علينا، ذلك الوضع الذي يجعلنا في مؤخرة الأمم في الفاعلية والإبداع والعزة والكرامة، وبين أولئك الأجداد الذين خرجوا من جزيرتهم، وهم يفتقرون إلى كل شيء من أدوات الحضارة ونظمها وأوضاعها، اللهم إلا شيئًا واحدًا فيه كل شيء لمن عنده قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، بشرط واحد ليس إلا، وهو الإيمان به إيمانًا قلبيًا حقيقيًا، إيمانًا يسيطر على الروح والجسد، ويستخرج منهما أعظم ما أودعته يد القدرة الإلهية الكريمة فيهما، ألا وهو القرآن ذلك الكتاب، المطلوبة عبثًا رأسه من كل كفار الأرض، وهيهات ثم هيهات ثم هيهات: "ملك المسلمون ثلثي شبه الجزيرة وسمَّوْها بــ"الأندلس"، وأنشأوا بها مملكة قرطبة العظيمة، التي كانت أعجوبة العصور الوسطى والتي حملت وحدها في الغرب شعلة الثقافة والمدنية مؤتلقة وهّاجة وقت أن كانت أوروبا غارقة في الجهالة البربرية فريسة للشقاق والحروب. ويجب ألا يجول ببال أحد أن العرب عاثوا في البلاد أو خرّبوها بصنوف الإرهاق والظلم، كما فعل قطعان المتوحشين قبلهم، فإن الأندلس لم تُحْكَم في عهد من عهودها بسماحة وحكمة كما حُكِمَتْ في عهد العرب الفاتحين. من أين جاء لهؤلاء العرب كل هذه المواهب السامية في الإدارة والحكم؟ فقد جاؤوا مباشرة من صحرائهم العربية، ولم تترك لهم فتوحهم المتوالية من الزمن إلا قليلاً لدراسة فنون سياسة الأمم المغلوبة. نعم إن بعض رجال دولتهم كانوا من اليونان والإسبان، ولكن هذا لا يبطل العجب؛ لأن هؤلاء لو تُرِكوا وحدهم أو عملوا في ميدان آخر بعيد عن العرب، لعجزوا عن أن يكون لهم أمثال هذه النتائج الباهرة. وكل ما هُيِّئَ للعقول الإسبانية من القدرة الإدارية لم يكفِ لجعل الحياة أيام دولة القوط محتملة هانئة، كما يمكن أن يرضى ويهنأ شعب مغلوب يحكمه غاصب، بل إنها كانت أسعد حالاً وأرخى بالاً مما كانت عليه، حين كان حكامها القوط يدينون بدينها الذي تراءَوْا باسمه دون حقيقته، فإن اختلاف الدين كان في الحق أقل المصاعب التي لاقاها العرب في أول حكمهم، وإن أصبح بعد ذلك مثار عنت واضطراب؛ لأن ميول الإسبانيين للمسيحية كانت لا تقل عن ميولهم للوثنية، فقد فرض عليهم قسطنطين المسيحية فرضًا، فبقى الناس متشبثين برومانيتهم، ولم يترك الدين في نفوسهم إلا أثرًا ضئيلاً، وهم في الواقع لم يكونوا في حاجة إلى دين جديد، بل كانوا في أشد الحاجة إلى القدرة على أن يعيشوا حياتهم في أمن ورغد. وقد منحهم سادتهم المسلمون هذين". | |
|