دمشق -الراية -خالد الأحمد :
"دَقّة الوجه" أو ما تُعرف ب"الوشم" هي إحدى مظاهر الزينة لدى المرأة البدوية والريفية على حدٍ سواء، وهي طريقة رسم ثابتة لا تمحى مع الزمن، تقوم على غرز إبرة في الجلد بحسب الرسم المقرر. ولا نكاد نرى امرأة كبيرة في السن في الريف والبادية يخلو وجهها أو يداها من هذه النقوش التي كانت تقوم بها نساء غجريات، والغاية من الدق كما تقول البدويات (الغوى) وإظهار المرأة بشكل جميل وجذاب ومثير للانتباه، وإضفاء حسن على حسنها إذا كانت جميلة وتجميلها إذا كانت غير ذلك.
تتم عملية الدق بحزم 3 - 7 إبر بشكل منتظم رزمتين، وإحضار هباب الفرن العالق في السقف والجدران أو مسحوق الفحم وخلطه وغط الإبر في هذا الخليط ووخز العضو المراد تجميله بعد أن يتم رسم الشكل الذي تريده صاحبته بالقلم أو بغيره من الأدوات التي يستخدمها الوشّامون.
وتلاقي المرأة التي تفعل في نفسها مثل هذه الأشياء صعوبة كبيرة جراء ذلك حيث ينز الدم من الجسم من أثر الوخز المتلاحق، ولكنها تتحمل ذلك في سبيل أن تظهر جميلة أمام الناس، وكذلك يستعمل الرجال البدو مثل هذا الدق تارة لل (الغوى) وتارة أخرى للعلاج، وبعد أن تتم العملية تظهر الرسوم الموشومة على العضو الذي تم النقش عليه بشكل أزرق بحيث لا يمكن إزالته.
كانت نساء البدو ينقشن أشكالاً متعددة ومنها الغزلان على الخد أو على ظاهر اليد والهلال على الجبين والحجول على القدمين، وتقوم نساء نوريات بعملية الوشم حيث يقمن بزيارة البدو في فصل الربيع قبل موسم الزواج الذي يجري عادة في الصيف و"يشمن" العروس كاملة مقابل ماشية أو جلود أو ربما برغل أو طحين حسب مواسم الخير في البادية.
مشط الحية والغزال
من مراحل وشم الوجه تخطيط الصورة المراد دقها بواسطة الفحم المحترق "الشحّار" أولاً ثم تعليم أطراف الصورة بواسطة الإبر حتى تصبح الدقة بلون أزرق، ومن أنواع دقات الوجه المعروفة لدى البدويات "دقّة الرديعة" وهي بشكل نجمة، وهناك أيضاً "الردية" و"الخصر" و"براثين الدب" و"مشط الحية" و"الشمس" و"الوردة" و"النقاط" و"الغزال" وكذلك هناك وشم "مخدة بنت الملك" الذي عادة ما يُدق على باطن الساعد ووشم الكفّ الذي يدق على كفّ اليد، ولكل واحد من هذه الأسماء علاقة بالأشكال الموشومة، فمثلاً وشم الغزال مرتبط بحياة البدو الذين اعتادوا صيد الغزلان والمها العربي منذ أكثر من سبعين عاماً، وكذلك مشط الحية أما بعض الأسماء الأخرى فهي مستقاة من عيش البدو على تخوم البادية بالقرب من القرى أو البلدات وكان الكثير من الفتيات المقبلات على الزواج يخترن "دقة السمكة" كفأل حسن تجنباً لحالات العقم.
دقة النعيم
لم يقتصر وشم الوجه لدى البدو على النساء بل استخدمه الرجال أيضاً وبخاصة من عشيرة "النعيم" المنتشرة في أنحاء مختلفة من البادية السورية، حيث يقومون بدق الأنف والحنك والخد.. ويعتبر هذا الدق بمثابة "وسم" يُعرفون به من بين أبناء العشائر الأخرى. ورغم أن قلة من نساء أو رجال البدو اليوم يقومون بوشم وجوههن أو أياديهم، إلا أن هذا لا يمنع من القول إن هذا الفن ما زال محتفظاً بوجوده في حياة البدو والمسنين منهم بشكل خاص.
- الباحث الأنثربولوجي الإيطالي البيرتو سافيوني الذي يعمل في سوريا منذ عام 1997 كمسّاح ورسّام آثاري حاصل على درجة الماجستير في (فن الوشم عند البدو في سوريا) من جامعة أودينا في ايطاليا عام 2005، يتحدث ل"الراية" عن بداية اهتمامه بالبدو وبالوشم على وجه الخصوص قائلاً :
أعمل في سوريا منذ عام 1997 في مجال الآثار وأول موقع سوري عملت به كان (تل شيوخ فوقاني) الذي يقع بالقرب من جرابلس شمالي حلب. استمر عملي هناك حوالي سنتين كنت خلالها على احتكاك مباشر مع البدو نعيش ونأكل معاً، وقد أوحى لي اختلاطي بهم دراسة فن الوشم لديهم وهكذا أنجزت دراسة الماجستير في جامعة أودينا بايطاليا تحت عنوان ( فن الوشم عند البدو في سوريا ).
وحول أنواع الوشم التي درسها يقول الباحث سافيوني :
عند البدو في سوريا ثلاثة أنواع من الوشم أولها الوشم على الوجه: وهو غالباً ما يكون للنساء فقط ويستعمل كزينة للوجه. وثانيها الوشم الطبي: كالوشم ضد وجع الرأس وما يُعرف بوشم الحلابات الذي يُدق حول المعصم ضد مشاكل وجع اليد جراء عملية حلب الماشية. وهناك أيضاً الوشم المرتبط بالسحر واتقاء العقارب والأفاعي وهو يُدق عادة أسفل القدم.
إزالة الوشم
إذا كان الوشم طريقة رسم ثابتة لا تمحى مع الزمن، كما ذكرنا آنفاً، فإن هذا لا يعني استحالة إزالة الوشم، إذ أصبحت إزالة الوشوم ممكنة بالعديد من الطرق، ويُفترض أن لا تترك إزالة الوشم أثراً أو ندوباً كما يقول الدكتور نزير سلّوم المختص بالوشم الطبي من جامعة ليفربول في بريطانيا، حيث يمكن إزالة الوشم دون آثار بواسطة التقشير وهي عملية إزالة للطبقة الخارجية من الجلد وله أنواع منها التقشير الميكانيكي والتقشير الكيميائي.. وحديثاً تطورت أنواع من الليزر لإزالة الوشم وهي من الطرق الفعالة ذات الألم الخفيف ونتائجها جيدة، كما يمكن إزالة الوشم بالليزر بأنواع متعددة منها "ياغ ليزر" لإزالة الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء ويُستعمل "الكزاندريت ليزر" لإزالة اللون الأخضر بشكل خاص، وعموماً تتطلب الإزالة بحسب سلّوم من خمس إلى ست جلسات لإزالة الوشم كاملاً ولا يحتاج الأمر إلى تخدير.